هل نحن بصحة جيدة

‌حازم كويي

إيريش فروم  

ترجمة وأعداد:حازم كويي

هذا هو عنوان فصل من كتاب أيريش فروم ، والمعنون (طرق الخروج من مجتمع مريض)والذي نُشر قبل ستة عقود،الذي يحتفظ براهنيته الى اليوم.

لا توجد فكرة شائعة مثل تلك التي نعيشها في العالم الغربي،نحن في القرن العشرين،حيث نتمتعُ بصحة جيدة للغاية،رغم أن الكثيرين في الحقيقة يعانون قليلاً أو كثيراً من أمراض عقلية،وبالكاد نشكُ وبشكل عام إن كان جيداً في حالة صحتنا العقلية.

ونحن على يقين بتجاوز ذلك وتقديم أفضل أساليب الصحة النفسية لاجل أستمرار تحسن الصحة العقلية.

وحين يتعلق الامر بالاضطرابات النفسية لدى الافراد،تلك التي نراها أحداثاً فردية ومن منظور ثقافتنا، يُفترض أنها صحية للغاية.

هذه الحالات الفردية شائعة جداً،فهل يمكن حقاً أن نكون على يقين من أننا لسنا مُخطئين؟

بعض نُزلاء مستشفى الامراض العقلية مُقتنع،أن المتواجدين معه،لاعلاقة له بهم، كونه ليس مجنوناً.

ولإلقاء نظرة على الحقائق وفق الطرق النفسية المُجربة والمُختبرة في مجتمعنا الغربي ومنذ مائة عام،فقد خلق العالم ثروة مادية ناجحة أكبر من أي مجتمع آخرفي تأريخ الجنس البشري.

ومع ذلك شهدنا مقتل الملايين في مُنشأة نُسميها (الحرب)،تضمنت ثلاثة حروب كبرى في أعوام 1870،1914،1939،كان كل مشارك فيها، يؤمن إيماناً راسخاً بأنه يدافع ويقاتل من أجل شرفه،أو أن الله يقف في صفه،وهي حروب قاسية وسيئة وغير معقولة،يتوجب فيها تدمير الاعداء من أجل إنقاذ العالم من الشرور.

لكن،بعد سنوات من الذبح المتبادل،أصبح أعداء الأمس أصدقاء،وأصدقاء الأمس هم أعدائنا،هذه المذابح تتجاوز أكبر الاكتشافات في مجال العلوم الطبيعية.

ويجري تجاهل حقيقة،أن رجال الدولة هؤلاء،هُم من يشنونَ الحروب (المستعدين لنقل الشعوب الى الجنة) وهو ناتج عن التعاملات غير المعقولة والخاطئة مع مُوكليهم.

بهذه النوبات الهدامة والشك بجنون العظمة،دعونا لانتصرف بشكل مختلف عن الجزء المتحضرمن الانسانية،وبما فعلته على مدى ثلاثة آلاف للسنوات الماضية من تأريخها،منذ 1500 عام قبل الميلاد وحتى عام 1860،التي تم فيها توقيع ما لا يقل عن ثمانية آلاف معاهدة سلام،كان يُفترض لكل منها أن تضمن السلام الابدي،ولكل منها أستغرق ما مُعدلهُ عامين.

وحتى هذه الطريقة التي نتعامل فيها مع الشؤون الاقتصادية ليست أكثر تشجيعاً،رغم أن نظامنا الاقتصادي في الوقت الحالي يعمل بشكل جيد للغاية،(كما يُشير الى ذلك فروم)،لكنناجنباً الى جنب مع الكثيرين ولاسباب مختلفة نُنفق مليارات الدولارات سنوياً على صناعة الاسلحة،رغم أمكانية صناعة بدائل مفيدة ومطلوبة.

90% من السكان يستطيعون القراءة والكتابة،لدينا التلفزيون،الراديو،السينما والصحف اليومية،وبدلاً من تقديم أفضل ما يمكن من أعلانات عن الأدب والموسيقى، يجري حشر رؤوس الناس بالقمامة الارخص، التي تفتقر الى أية إشارة للواقع،أو مع التخيلات السادية، التي تجعل الجميع في منتصف الطريق،يخجل المتعلم فيها إعطاءها للصغير أو الكبير،كونها تُسمم العقل،ويظهر اللاأخلاقي على الشاشة لتثقيف الناس وتطويرهم بأسم الحرية والمثالية.

لدينا الآن ساعات عمل أقل من أوقات الفراغ مقارنة بما كان قبل 100 عام،والتي كان أسلافنا يحلمون به.

لكن ما يحدث هو أننا لا نعرف ماذا نفعل بأوقات الفراغ الجديدة،معتبراً نفسه سعيداً،عندما ينتهي اليوم ليستقبل يوماً آخر،على أية حال لا حاجة الى الاستمرار في رسم هذه الصورة التي يعرفها الجميع.

وحين يقوم شخص ما بذلك، فستكون لديه من المؤكد شكوك جدية بشأن صحته العقلية،مُدعياً وبصوت عالٍ،أنه لم يكن مُخطئاً،كون المرء يتصرف بحكمة حتى الآن، كي لا تكون صحة هذا التشخيص موضع شك.

ولا يزال العديد من الاطباء النفسيين وعلماء النفس يرفضون الاعتراف بذلك،قد لا يتمتع المجتمع ككل بصحة جيدة بعد الآن بالادعاء، أن مشكلة الصحة العقلية في المجتمع تتعلق فقط بعدد من الافراد (غير المعدلين) وليس مع أمراض الحياة الطبيعية،خاصة مع علم أمراض المجتمع الغربي المعاصر،والمنتشرة في بلدان مختلفة من العالم الغربي،هي حقيقة مدهشة للغاية.

ولا تتوفر بيانات للاجابة على سؤال،كم مرة تحدث الامراض العقلية في بلدان مختلفة في العالم الغربي؟ لكنه في المقابل توجد هناك أحصائيات مقارنة دقيقة حول الموارد المادية،التوظيف،معدلات المواليد والوفيات،أما ما يخص الامراض العقلية فلا تتوفر معلومات كافية، وهناك بيانات دقيقة لبعض البلدان، مثل الولايات المتحدة والسويد، الا أنها تتعلق بالمرضى المقبولين في مستشفيات الامراض العقلية،والحقيقة أن أكثر من نصف مجموع (أسِرة المستشفيات في الولايات المتحدة في الخمسينات) التي أُثبتت فيها الاضطرابات النفسية،يُنفق عليها سنوياً أكثر من مليار دولار،وبتأكيد أنَ 17% من هؤلاء لا يصلحون للخدمة العسكرية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الامراض العقلية .

هناك بيانات مقارنة وحيدة تعطي إشارة تقريبة عن الصحة العقلية،وهي عن حالات الانتحار والقتل وإدمان الكحول، تكمن أسبابها في عدم الاستقرار العقلي،وليس نتيجة الفقر المادي،عكس حالات الانتحار في البلدان الفقيرة، بمعدلات أدنى.

ويسير الازدهار في أوربا جنباً الى جنب مع عدد تزايد حالات الانتحار بسبب الادمان على الكحول،ترجع أسبابه بلا شك الى أعراض عاطفية وعدم الاستقرار.

كذلك ظهرت وبشكل لافت، أن حالات الانتحار في الدنماراك وسويسرا وفنلندة والسويد والولايات المتحدة أعلى منها عن بقية الدول الاوربية، كحالات مُقلقة وصعبة،وهي أشارة الى ضعف الصحة العقلية لدى السكان.

لا يعيش الانسان على الخبز وحده،الحديث هوعن فشل الحضارة في تلبية الاحتياجات العميقة للانسان وإرضاءه،لذا فإن من المناسب هو التعامل مع المشكلة العامة وعودة الحياة الى طبيعتها.
 

أيريش فروم : عالم نفس في التحليل النفسي والاجتماعي وفيلسوف ألماني.

أضطر الى ترك ألمانيا الى جنيف بعد أستلام النازية الحكم بقيادة هتلر ، ومن ثم الى أمريكا،عمل استاذا في جامعاتها وكذلك في المكسيك. حاز على العديد من الجوائز التكريمية العالمية.


PM:09:06:08/05/2021

ئه‌م بابه‌ته 828 جار خوێنراوه‌ته‌وه‌‌